عندما يقتل البشر بجشعهم كلّ حروف الرحمة و الحنان...
عندما تستقيل الكلمات و المفردات من معاني الإنسانية و الصدق و الوفاء...
عندما تسافر الطهارة التي وُجدت بأرواحنا في رحلة أبدية إلى عالم المجهول...
أكتب بحبر دمي على أوراق عمري إليكِ...
أقصّ رواية الحياة المتجدّدة على مسامعكِ..
أحنّ إلى ما بقي فيكِ من صدقٍ و صفاءٍ و نقاءٍ لا يشوبه أيَّ شيءٍ من أكدار الزمن..
أعلّق لوحاتِ أعمالي اليومية على جدرانك المخضبة بالحزن , فأراكِ تبكين لما صنعتُه, فأخطّ بدموعكِ
المدرارة ميثاق عهدٍ جديدٍ مع الله لأتوبَ و أنهضَ بنفسي من جديد..
سماءٌ ملبّدةٌ بالغيوم,, إنهُ شتاءٌ يشبه أرواحَنا, أرواحَنا المثقلة بالذنوب , وعندما تمطر تلك السحب ,
فإنها تصوّرعيوننا الباكية التائبة , فتنقشع من كبِد السماء لتشرقَ الشمس من جديد , كما تُمحى من
صحفنا خطايانا , فتبتسم أعماقنا لرؤية وجه الأمل الباسم مرّةً أخرى..
كلّنا نمرّ بحالات ضعفٍ و فتور,, كلّنا نحمل في جعبتنا حكايات منسوجة بأقلام الساعات عما اقترفناه
من معاصٍ.. كلّنا نصبح أسيرو اليأس و الانهيار في لحظة فقرٍ شيطانيةٍ , فقرٍ للإيمان اليقين بأن الله
معنا و لن يتركنا نغرق في بحار الحياة لتلطمَنا أمواجها بمنأىً عن شواطئ الأمان , الأمان بالله وحدَه و
الأنس به..
فلننهض بأرواحنا المكبّلة بقيود الوهن الثقيلة.. فلننطلق إلى الأمام .. لأن رياض التفاؤل تنتظرنا هناك..
هناك حيث مقبرة الأحزان و الهموم.. هناك حيث الدفء و الحنان و الحب و الاطمئنان .. حيث نستطيع
أن نطهّر أنفسنا من أقذارها بدموعنا الخجلة .. هناك في أحضان الله عزّ و جلّ .. لنجدّد العهدَ معه و مع
أرواحنا المعذبة الشقية..
كفانا تجريحاً و تلويثاً و تنكيلاً و تلاعباً بقدسية الأرواح التي بين جنبينا..
لقد تعبتْ هذه الروح من حرقة الأنّات و وجع الآهات..
لقد تاقت لتمتزج مع ألحانٍ نديّةٍ تعزفها السنون على قيثارة الحياة..
أيّها الإنسان العاقل !! انظر إلى وجوه الأطفال.. انظر إلى عيونهم المغرورقة بالفرح.. لماذا؟؟
لأنها هكذا خُلقتْ أرواحنا.. هكذا جُبلتْ نفوسنا..
طاهرةً عفيفةً منطلقةً ببسمة الطفل المتفائلة لتخوض دروب الدنيا الشائكة..
لأنها لا تريد أن ترمي نفسها في بئر الحزن المظلم و لا تحبّ أن تستسلم تحت مخالب الألم و لا تعرف
أن تكون فريسة للدمعة اليائسة و لم تتعلّم يوماً أن تلبس قناع الضحكات الباكية..
فلم ترَ من أيامها القليلة التي حفرتها على لوح تاريخ عمرها سوى الابتسامات و البشرى الجميلة.. لم
تشاهدْ من الطبيعة إلّا ألوان الربيع الخلّابة.. لم تسمع من صرخات الأرض و صيحاتها المقهورة إلا
زقزقة العصافير و أصوات البلابل المغردة ,, لأنها كانت ترى خالقها الجميل بعين فطرتها أينما
ذهبتْ , فكانت تسمع وترى وتعيش جمال الكون جلّه في قلب الأحزان..
إليكِ يا أرواحنا الصادقة أوجّه كلامي..
لقد رحلْنا بك بعيداً في بحار الظلمة الكئيبة و أوصلناكِ لبلاد الغربة الكاوية و أركبناكِ في سفن الخيبة و
الألم و رفعنا طيلة طريق رحلتنا ,, رحلةِ عمرنا, أشرعة الندم و البكاء , حتى كدْنا لا نعرف مَنْ نحنُ ؟؟!!!
إلهي !! لا ناصرَ لنا سواك..
منك نستمدّ نواقيس السماء لنضيء حياتنا التي جعلناها رهينة في خيام البؤس و الشقاء..
بقربك منا نحيل السجن الذي قيّدنا أرواحنا بأغلالة أغنيةً جميلةً تصدح بها الحياة لنُسمعَ العالمَ بأسره
بترانيمنا الفرحة معنى العبادة الصادقة و لذّتها , و لنعلّم الزمهرير دفء السلام الداخلي المعلّق بأرواحنا
المبهورة بجمالك و التي تثكلها مصائب الدنيا بإبعادها عنك , فيشقّ عليها إكمال عمرها وحيدةً , غريقة
الحزن , تدفن آخر ضحكةٍ في ثَرى الهجر..فتتلاقفها وحشة غسق الدجى المخيفة , فتشتاق لوصالك و
لمددك و لحضنك الحنون..
آهٍ !! كم أخاف أن تفرغَ الحياة من استضافتها لنا قبل أن نزيح جبال الذنوب عن كواهل أرواحنا... قبل
أن ننفض غبار التعب من حمْل خطايانا عن جناحَي نفوسنا المسكينة...
اللهم لا تكِلْنا لأنفسنا طرفةَ عين , و لا تذرْنا نقلّع أشواك أعمارنا لوحدنا , فنحن بجلالك فقط نجعل من
الأمل شمساً لا تنطفئ مهما طالت بنا الأيام..